تابع على موقعنا
١
برامج تدريبية مُصممة لتحسين مهاراتك اللغوية بكفاءة عالية
٢
كورسات متنوعة مجانية ومدفوعة تناسب احتياجاتك وميزانيتك
٣
دروس متكاملة ومحدثة باستمرار لجميع المستويات من المبتدئ للمتقدم
سجل الآن واحصل على درس مجاني!

اللص والكتاب: قصة قصيرة

قصة قصيرة من الأدب  العربى بقلم: جمال عسكر




1. الصرخة

فجرٌ هشّ، والكون يتثاءب، وأصوات العصافير لم تكد تبدأ لحنها الأول حين مزّق السكون صوتٌ حادٌ، مفاجئ، كأنه صفعة على خدّ الزمن.

صرخة اخترقت جدران البيت كالسهم، ارتجف لها قلب الأم وركضت بخوف الأمومة المجبول بالحب والخشية، نحو مصدر النداء.

فتحت باب الغرفة بشيء من العنف واللهفة، فإذا بعصام جالس على سريره، يحتضن ركبتيه كما يحتضن غريق أنفاسه الأخيرة.

كان فتى في السادسة عشرة، معتدل القامة، بملامح رقيقة مستطيلة، ووجنتين بارزتين كأنهما وسمٌ من فكرٍ كثير، وجسدٍ نحيلٍ كأن الكتب التهمت شحمه لا العكس.

سألته بصوت مرتجف:

ــ ما بك، يا بني؟

أجاب، بنبرة مكسورة ممزوجة بالرماد:

ــ لا شيء...

ــ أكان كابوسًا؟

ــ أجل...

أرادت أن تُطيل الحديث، أن تسقيه حنانها، أن تزرع في قلبه راحة، لكنه أدار وجهه عنها، غاص في وسادته، وأغمض عينيه، دون أن يطفئ النار المشتعلة في صدره.

عاد إلى سكونه، لكن النوم جفّ من عينيه كالنهر الذي خاف عليه ضفافه، فالهاجس يتلصص عليه من الظلام، يتسلل من أعماقه، كضوء الفجر المتسلل من النافذة...

الغرفة غارقة في الظل، إلا من خيط نور تافه لامس غلاف كتاب "عبقرية محمد"، فاستوقفه كمن رأى طيف حبيب. تحرك الحنين في داخله، همَّ أن يفتحه، لكن ألمًا مفاجئًا في بطنه أوقفه، كأنه وخزة من ضميره تقول له:

ــ تذكّر.


2. الحادثة

اقترب من المكتبة كمن يقترب من حتفه، خطواته واهية، قلبه كطبول أفريقية في حرب شعواء. دخل وهو يحمل حقيبة قديمة وجريدة مهترئة، وضعهما في المدخل كقناع لمهمته الخفية.

في الداخل، كانت الكتب تحيطه كجيش صامت من العقول، صفحات ممتدة كالحياة. وبين العناوين، استوقفه كتاب توفيق الحكيم: "عودة الروح"، تناوله كما يتناول العاشق رسالة حبيب. قرأ منه كلمات، فاشتعل قلبه، لكن السعر ـ عشرة جنيهات ـ كان صفعة.

ــ معي خمسة جنيهات فقط… وتكلفة العودة!

لم يفكر كثيرًا... بل لم يختر، وإنما انجرف. قرار سرمدي تكون في لا وعيه:

ــ "سآخذه... لا بد من ذلك."

توارى خلف رفوف الكتب، رفع قميصه، دسّ الكتاب بين بطنه وحزامه، وأنزل القميص، ثم اعتدل.

وجهه احمرّ كمن شرب خجله، وقلبه يدقُّ حتى ليكاد يخرج من صدره. مضى يتنقل بين الأرفف كالمتسوق، يحاول أن يبدو طبيعيًا.

لكن صوت الموظف فجّره من الداخل:

ــ ماذا تريد؟

تجمّد الدم في عروقه.

ــ لم يرني... لم يقل: ماذا تفعل؟ قال: ماذا تريد...

ــ كتاب عن الاقتصاد.

ــ لا يوجد.

ــ حسنًا... سأعود لاحقًا.

غادر كمن نجا من الموت، وكان أول السرقة، لا آخرها.

توغّل عصام بعدها في دهاليز السرقة، يسرق الكتب كما يسرق العاشق النظرات. كتب العقاد، طه حسين، الفلسفة، التاريخ، الرواية... أصبح سرّاق كتب، لكن قلبه لم يكن لصًّا...





3. الخوف

الندم شبحٌ طويل العنق، لا يترك أحدًا دون أن يعضه. تسلل إلى روحه، بدأ يخاف. كل حركة حوله تُفسَّر على أنها مراقبة، كل نظرة تُشبه الاتهام.

وذات مساء، قال له والده:

ــ آن أوان البطاقة. اذهب إلى مركز الشرطة.

مركز الشرطة؟ قلبه هبط في بئر لا قرار له. هناك قد يعرفون... هناك تنكشف أوراقه.

رفض... تأجّل... تهرّب...

لكن بعد ثلاثة أشهر، لم يجد بدًا. ذهب، وخطاه تتعثر ببعضها.

الصول، ذو الشارب الكثيف والصوت العاصف، أخذ أوراقه وقال:

ــ أنت جيت؟ كنا بندوّر عليك من سنين!

شعر عصام بأن روحه قد نُزعت، فغر فاه، ارتجف، تمتم بكلمات لا معنى لها.

لكن الصول التفت لغيره:

ــ اللي بعده!

آه... هو لم يقصد! يقصد فقط تأخري في بطاقة الهوية...

خرج كالمخمور، لكنه شعر أخيرًا بشيء من الخلاص.


4. التسليم... أم الاستسلام؟

كان لا بد من خاتمة، لا بد من تطهير. ألم الضمير كالرصاصة المسمومة، تبقى تدور في الجسد حتى تقتل.

حدث نفسه:

ــ ماذا فعلت بذاك الموظف؟ هل يحتمل وزري؟ لا... لا بد أن أعيد كل شيء.

في صباح رمادي، قرر. دسّ الكتب تحت قميصه من جديد، لكن هذه المرة ليعيد لا ليسرق. كان قلبه أخفّ، لكنه لا يزال يطرق في صدره.

وقف أمام المكتبة، ارتجف كما في المرة الأولى، لكنه مضى. دخل، توجه إلى الأرفف، وبحركة سريعة أعاد الكتب إلى مكانها.

لكن نظرة عابرة من الزجاج أربكته، ظن أن شخصًا رآه.

ــ رآني... أنا اللص... هذه هي النهاية...

غادر المكتبة راكضًا، وجهه محمّر، يده ترتعش، نبضه يتسارع. خرج إلى الشارع، كاد يصطدم بالسيارات، يمشي كالمنفي في أرض لا يعرفها.

نظر إلى السماء، وكان القمر بدراً، نوره ناعم، كأنه عين الله تراه...

ذرفت عيناه دمعة دافئة، سالت على خده كنهر من تطهير.

همس في سره:

ــ قد أخطأت، نعم... لكنني حاولت أن أعود.

في تلك الليلة، نام... ولأول مرة منذ زمن، لم يطرق الضمير بابه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تصريف افعال : être / avoir

تعلم الحوار بالفرنسية

امتحان اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوى مصر الدور الأول 2022

قاموس المذكر والمؤنث فى اللغه الفرنسيه

حوار تقديم النفس بالفرنسية

اخر دروسنا